موقع السلطة
الأحد، 10 نوفمبر 2024 08:25 صـ
موقع السلطة

رئيس التحرير محمد السعدني

  • اتحاد العالم الإسلامي
  • nbe
  • البنك الأهلي المصري
تقارير

ليلة ميلاد جديد لأسود الأقصر.. طريق الكباش بعيون أدباء مدينة «الألف باب»

طريق الكباش
طريق الكباش

كعروس في ليلة زفافها تزينت بخضابها، مرتدية حُلي الحضارة والتاريخ، تبدو أنيقة، مرتبة، مهندمة، انتظارًا لمحبوبها الذي يتوضأ بنسمات عشقها، كـ«صوفي» هائم في محرابها، زاهد إلا في غرامها، متنقلًا بين نشوة الغياب والحضور إثر رحيق عبيرها الآخاذ، ساجدًا في حضرة شموخها العصي على الرضوخ والهزيمة، وتبقى «الأقصر» متربعة على عرش الجمال والرقي، تلامس السماء بيدٍ حانية، وكأنّها تمنح الحياة لمريديها بإذن ربها، يتخيلها أحفادها منتصبة فوق جبل الطود، وإذا بها تهدي الضال إلى نور مبين، تميزت به دروبها وطرقها، وعلى رأسها «طريق الكباش»، الذي ينتظر إشارة افتتاحه اليوم، لمواصلة كتابة التاريخ والإبهار.

ينتظر العالم مساء اليوم، سطر جديد من كتاب الإرادة المصرية، متمثلة في ملحمة أخرى عند افتتاح طريق الكباش بمدينة الأقصر، بحضور العديد من وسائل الإعلام الدولية، مترقبين في شغف بالغ، كشف النقاب عن إحدى معجزات المعالم الأثرية، والكنوزَ المعمارية في تطور مذهل لطبيعة خلابة تميزت بها مدينة «الألف باب» عبر تاريخها الممتد لآلاف السنين، وهو ما وضعته في قلوب أحفادها من «المبدعين» الذين تحدث بعضهم إلينا، معربين عن اعتزازهم بالحدث،

 معهم للحديث عن طريق الكباش في عيون أدباء الأقصر.

القباحي: بائعة الخبز لم تنتبه للرصيف حين تلاشى

كانت البداية مع الشاعر حسين القباحي، الذي قال إنَّه ربما لا يدرك الماشون في فضاء الليلة الموشاة بالضوء والبهجة والموسيقى، وقد لا يفطن حملة البيارق والأعلام وعازفو المزمار وضاربو الطبول، كما لن ينتبه الجالسون على الأرائك الوثيرة في بيوتهم، وفي مقاعد المقاهي، والواقفون على أطراف أصابعهم، على الأسوار الحجرية الممتدة على طول الطريق الطويل ما بين المعبدين، يتابعون ويستمتعون بما يدور، كما أنَّه لم يدر بخلد واحد من عشرات بل مئات الملايين، الذين يتابعون بانبهار وإعجاب وتمنيات مكتومة، هذا العرس السماوي الجليل، وهو يخلع عن هؤلاء وليس (هذه) الكباش الوجوه أردية الأزمنة السحيقة وغبار الحوادث وصمت الذكريات.

أحاديث الكباش ربما لن ينتبه أحد لها، ولن يصغ واحد من الناس سمعه ليسمع همسهم وشكواهم وأحاديث خطاهم المبتورة، التي سجنها تراكم التراب فوق رؤوسهم لعشرات المئات من السنين، أو يفتح أحد عينيه أكثر ليرى أوضح وأعمق من هذه الرقدة الوضيئة، والشموخ الخفي في إطلالة كل منهم، على من يمرون، يلقون التحايا وكلمات الإطراء والمديح لهم، وللصانع الفنان العظيم، لو أنصت العابرون، لاستمعوا إلى مئات الحكايات وآلاف الشكاوى، وعشرات القصائد والمواويل، ولرأوا آلاف المشاهد والصور، وهي تجري أمام أعينهم، وترن في آذانهم، «القباحي».

وفي معرض وصفه للحدث الذي يوجه الجمع أبصارهم نحوه، استكمل الشاعر «سيحكي لهم هؤلاء، عن المزارع الأول الذي روّض النهر، وجعل له ضفافًا موشّاةً بالنخيل والصفصاف والزهر والثمر، وحكى لهم عن حوار تماسيح النيل، وأفراس النهر، وزقزقات العصافير، عن عشق دائم، ومحبة وارفة للماء، والشمس والضوء المباغت في طلعة كل نهار».

القباحي: التماثيل تحكي سيرة كرامة وطن وعزة شعب على مر التاريخ

اليوم، المصريون والعالم على موعد مع ليلة حكي تاريخية، فيها تعزف تماثيل الحضارة موسيقى ناعمة هادئة، تلك التي كانوا يعزفونها ويرقصون في ظلال الشموع، محتفيين بها فرحين مهللين في مواسم الحصاد، وسيقرأون مئات الصفحات من الابتهالات والأدعية والترانيم، تلك التي كانوا يرددونها في صلواتهم، يتقربون بها إلى الخالق العظيم الذي عبدوه، وتمثلوه في أبهى الصور وأنصعها، ربًا حكيمًا قديرًا ناشرًا للخير، مهيمنًا على مقادير الناس والمخلوقات، وسيحكون عن صهيل الخيول وهي تدوس جماجم الغزاة، وتدهس كبرياء الطغاة، وتضع حدودًا ممتدة للوطن، لا تنتهي إلا عند أحلام ساكنيه، لن يسعهم الوقت وهم يتنقلون بالزوار من زمن إلى زمن، ومن مجد إلى مجد، ومن كرامة وطن وعزة شعب على مر التاريخ.

وصال تاريخي تحكي فيه المنحوتات عن هذه الأرض الطيبة التي حفظت سمتهم، ووجوههم، ولامس ترابها كبرياءهم، فكان رفيقًا بهم، عطوفًا عليهم، وعن هذا الفلاح الذي شق الأرض بمحراثه وفأسه، ولم يخدش وجوههم، ولكنه أنبت العشب والشجر، وأجرى المياه في الجداول، ليروي عطشهم مع ريّه للأرض، ليحصد الغلال والثمر، ويستر وجوههم ويحفظ بقاءها مضيئة نقية، إلى أن تأتي الأيدي التي تنزع عنهم قسوة الطمي والتراب، وتعيدهم إلى حرارة الشمس ونداوة الضوء.

الليلة فقط، نُنسى نحن هنا في مدينة الألف باب، كما يُنسى معنى هذه الوجوه الباسمة فوق أجساد تماثيل الأسود، نُنسى جميعًا أصوات المعاول، وضربات الفؤوس على الجدران القديمة، ونزيح غبار سنوات الفراغ المر، وخلو الفنادق والمعابد من زوارها، نحن الذين لا نتقن غير حسن الضيافة، وإطلاق الابتسامات، وغناء مواويل الأفراح وأناشيد الحصاد، نحن الذين نحب الوطن حبنا للحياة، ونعشق النيل عشقنا لذواتنا، ونفتح القلوب لتلاقي كل غريب، قبل أن نفتح أذرعنا أو نمدّ أيدينا لندله علينا، إنَّها ليلة من الفرح والجمال والبهجة، بلا أسئلة، سوى سؤال المحبة للحياة والإنسان، هكذا اختتم «القباحي» حديث الحضارة والتاريخ الذي لا ينقطع وصله.

مارلين ميخائيل: نفخر نحن أبناء الأقصر بأن مدينتنا تنافس أجمل مدن العالم

أما الروائية الشابة مارلين ميخائيل، فتقول: «يشهد العالم كله، احتفالية فريدة في افتتاح طريق الكباش، لنبهر العالم بجمالها، وفخامة أجدادنا، ونرسخ فكرة انتماء المصريين لحضارة أجدادهم القدماء، الذين أبهروا شعوب العالم بتقدمهم، توجد حالة من الترقب يعيشها عشاق الحضارات القديمة».

بالنسبة لأبناء الأقصر، حسب الروائية الشابة، سيُخلد لهم التاريخ، افتتاح الطريق بامتداداته الكاملة، لذلك الممر الذي يبلغ طوله 1.7 ميل، وعرضه نحو 250 ‏قدمًا، رابطا معبد الكرنك بمعبد الأقصر، في مدينة طيبة القديمة، مع تماثيل أبو ‏الهول المميزة، والتماثيل ذات رأس الكبش، التي تصطف على الجانبين، سيكون حفل الافتتاح، حديث الأدباء في الفترة المقبلة.

جدية القدماء المصريين الأجداد، تظهر في نظامهم المعماري المصمم بدقة وصلابة منذ آلاف السنين، لأثر دقيق خلّد حضارتهم في الوجود الإنساني، فهم كانوا أول من دونوا أشعار الحب والغزل، وتضمنت البرديات عددًا من القصائد، التي أودعها أدباء مصر القديمة، معبّرين عن مشاعرهم، هكذا واصلت مارلين ميخائيل سردها لتقول: «تعلمنا من أجدادنا الأدب، لذلك كل أديب خرج من الأقصر، أبدع وأظهر أن الإبداع بالوراثة، نفخر نحن أبناء الأقصر، بأن مدينتنا تنافس أجمل مدن العالم حاليًا».

وجاء في قصيدة إيزيس العاشقة الأولى، التي دونتها ببردية برلين رقم 3008 تحت عنوان، «النداء الأبدي»: «تعالى نحو بيتك تعالى إلى بيتك، أنت يا من لا أعداء له، أيها الشاب الجميل الطلعة، تعالى بيتك لكِ تراني، لا تفترق عني أبدًا، أنا لا أراك ولكن قلبي يتطلع للقياك، وعيوني تبحث عنك، تعالى يا من توقف قلبه عن الخفقان، إنني أناديك ويرج صراخي أجواء السماء، لكنك لا تسمع صوتي، أنت لم تحب امرأة أخرى سواي».

أحمد العراقي: أبعاد ثقافية لإحياء موروثات جمالية وإبداعية

لطالما ظل حلمًا يراود كل أقصري، إحياء طريق أبو الهول أو طريق المواكب، والاحتفال بعيد الأوبت خلال رحلة آمون رع، في طريق طوله 2700 متر، يصطف على جانبيه 1059 تمثالًا على هيئة جسم أسد ورأس بشري أو كبش كامل، أو جسم أسد ورأس كبش، ومنذ ستينيات القرن الماضي، وذاك الحلم محفور في صدورنا، حلم إعادة إحياء طريق المواكب، الذي يربط بين معبد رمسيس الثاني «معبد الأقصر» ومعبد الكرنك، ليأتي الرئيس عبدالفتاح السيسي، ويعطي توجيهاته بالإسراع في التجهيزات والترميمات للطريق الملكي، وإزالة التعديات المحيطة به، ثم الاستعداد لتنفيذ حفل أسطوري يبهر العالم أجمع، وفق ما ذكره الشاعر الأقصري أحمد العراقي.

«العراقي» يؤكّد أنَّ كل مواطن أقصري يتوّق لمثل تلك اللحظة، التي يتوقع أن تكون فارقة في تاريخ تلك المدينة العريقة، فمنذ جائحة كورونا وقطاع السياحة مصاب بشلل تام، لكن مع اقتراب حفل افتتاح طريق الكباش بدأت الأفواج السياحية تتوافد على المدينة، حتى وصلت نسبة الاشغالات في الفنادق إلى 100%، في سابقة لم تحدث منذ عام 2010، والكل يعلم تماما أهمية السياحة في حياة كل مواطن أقصري.

وللحدث أيضًا أبعادًا ثقافية، وفق «العراقي»، فهو إحياء لموروثات جمالية وإبداعية، في مقدمتها مرور مراكب الشمس خلال طريق الكباش، ولفت أنظار العالم أجمع للمدينة العريقة، كأيقونة ومقصد للسياحة الثقافية عالميا، حيث تحوي ثلث آثار العالم.

العراقي يهدي الأقصر قصيدة: مرّ الكرام من هنا

ابن مدينة الأقصر، أهدى قصيدة بمناسبة افتتاح طريق الكباش، يوضح فيها «لقد ألهمني هذا العرس الفريد، لأكتب للأقصر وشعبها»، وتقول القصيدة:

الأقصر

مروا الكرام من هنا

غنوا أغاني العيد

على شط نيل طيبة

كتب الهوى مرسال

شهد المحبة سال

الكف ده مرمر

والتاني مسك غزال

دراويش ناداها الغرام

قصدوها في المواعيد

نصبوا المقام للولي

رمسيس صبح له مريد

كل البلاد جمعا

حاروا في أوصافها

من عهد أجدادنا ناقشين زخارفها

سيدي أبوالحجاج

على تلها نبوت

لما الكرام مروا

غنوا لـ«حتشبسوت»

نظرة يا آل البيت

من فوق مشارفها

الشمس زرع أخضر

والطمي عنابي

والمية لون الدهب

والضحكة من «حابي»

وأنا جيتلها حابي

بالروح أنا شاري

دخلت سوق الجمال

على ناصية الكرنك

سألت على الزينة

قالوا بتتسلى

مينا سمع بالخبر

فربطني في الصاري

صاري السفينة اتكسر

بدلته بمسلة

درويش أنا يا ناس

عاشق نفرتاري

يا طلة الصبح اللي بادي

ع الجبين بنور

نوم الضحى يا «إيزيس»

بيغيظ بنات الحور

والضلة خد الملاح

كالورد في الشارع

كل الجيران اشتكوا

من فلها المنتور

ساعة العصاري «هاميس»

بتحب تتمشى

تمشي على الكورنيش

النخل يطرح عنب

أنا شفتها امبارح

كالبدر ع الحنتور

طيبة يا شجرة كرم

نادت على الأحباب

الألف باب افتحوا

زوارها ع الناصية

لما الإيمان ضمها

كانت البلاد عاصية

فاتلموا في المحراب

بعد العشا بساعات

نادوا على رمسيس

رفع الآذان للفجر

والأعمدة فوانيس

أول ما قال الله

اتفتحت الأبواب

ابتهال الشايب: نعيش أجواء عظمة الحضارة الفرعونية

افتتاح طريق الكباش في هذا التوقيت يحمل مدلولات عديدة سواء على المستوى الاجتماعي أو الثقافي، تلك الثقافة التي تناقلتها الأجيال عبر آلاف السنين وكان لأجدادنا الفراعنة السبق الأعظم في التدوين والنقش سواء على البرديات أو الأحجار التي تتميز بها مدينتنا العظيمة الأقصر، صاحبة الألف باب، جانب من حديث الفخر والسعادة بهذا الحدث للروائية والمترجمة ابتهال الشايب.

ابتهال الشايب ترى أنَّ الاحتفال بافتتاح طريق الكباش حدث عالمي، وناجح نظرًا للسبق المصري في إقامة مثل تلك الفعاليات، وهو ما وضح جليًا في احتفالية نقل المومياوات قبل أشهر قليلة، «سنعيش أجواء عظمة الحضارة الفرعونية بكل ما تحمله من عبق للتاريخ، الربط بين معبدي الأقصر والكرنك بواسطة هذا الطريق حدث سيقف التاريخ أمامه كثيرا، فضلا عن أهميته بالنسبة لنا نحن أبناء الأقصر، إذ سيتيح لنا رؤية المكان بشكل مختلف وبصورة مكتملة، تعيدنا وتذكرنا دوما بعظمة أجدادنا».

تؤمن الروائية أنَّ «حفل طريق الكباش لن يكون إلا امتداد لسلسلة إحياء عظمة حضارة أجدادنا، لبناء مجدنا في الحاضر، نستند على تلك القواعد التي وضعت منذ آلاف السنوات، لننطلق نحو المستقبل، مدعومين بأسسٍ قويةٍ من الماضي، وبناءٍ عتيدٍ من الحاضر، لذا أنتظر تلك الاحتفالية على أحر من الجمر، لأشاهد انبهار العالم يتكرر مرةً أخرى، كما حدث منذ 7 أشهر».

المميز في الاحتفالية بحسب ابتهال الشايب أنَّها تنبع من «طيبة»، تلك الأرض التي شيّد فيها أجدادنا حضارةً تتحدى عوامل الزمن والحروب والصراعات السياسية والاحتلالات والتغيرات المناخية، أرض «طيبة» الطيبة التي ينطق كل شبرٍ منها بعظمة مصر وتفردها وسبقها للعالم، الأرض التي شهدت تقدما وقت أن كان العالم متخلفا، شهدت نور العلم، وقت أن كانت باقي البلدان تغرق في ظلمات الجهل، حضارةً وقت أن كانت الإنسان «بدائيًا»، اليوم سيشهد العالم كل هذا، بتقنيات القرن الواحد والعشرين.

البنك الأهلي
افتتاح طريق الكباش طريق الكباش احتفالية طريق الكباش الأقصر أدباء الأقصر حسين القباحي أحمد العراقي سيد العديسي طة مصر موقع السلطة أخبار مصر أ
tech tech tech tech
CIB
CIB