موقع السلطة
الأربعاء، 25 ديسمبر 2024 09:21 صـ
موقع السلطة

رئيس التحرير محمد السعدني

  • اتحاد العالم الإسلامي
  • nbe
  • البنك الأهلي المصري
مقالات رأي

الأوربيون أمام خيارين: برودة الجو أو سخونة الخطر الروسي!

حميد الكفائي- ارشيفية
حميد الكفائي- ارشيفية

لم يكن الأوروبيون بغافلين عن خطورة اعتمادهم على الغاز الروسي، حتى قبل اندلاع الأزمة الروسية-الأوكرانية الحالية، التي لم تبدأ باجتياح روسيا الأخير، ولا باحتلالها شبه جزيرة القرم عام 2014، بل قبل ذلك بعقدين.

لكن الاستهلاك الأوروبي للغاز الروسي بقي متزايدا، حتى بعد احتلال روسيا شبه جزيرة القرم، إذ شكلت الصادرات الروسية من الغاز 38% من عموم الاستهلاك الأوروبي للطاقة، وأكثر من نصف الاستهلاك الألماني للوقود الأحفوري (مجلة الإيكونوميست).

صعود بوتن المفاجئ إلى قمة السلطة عام 1999، وتنازل الرئيس المنتخب، بوريس يلتسن، له عن الرئاسة قبل انتهاء ولايته، لم يكن أمرا عاديا، بل كان تغيرا جذريا في الوجهة السياسية لروسيا، التي أرادها يلتسن أن تكون نحو الديمقراطية والرأسمالية، لكنها لم ترُق للحرس القديم، على ما يبدو، فقرر أن يعيد بناء الإمبراطورية الروسية، مستغلا حاجة أوروبا الماسة للوقود الروسي.

كانت لدى الأوروبيين خطط ودراسات حول البدائل المحتملة للغاز الروسي، في حال قررت روسيا الضغطَ عليهم عبر إغلاق الأنابيب الناقلة للغاز إلى أوروبا، لأي سبب كان، أو رفعَ أسعاره فوق أسعار السوق. ومن بين الوسائل التي أنشأها الاتحاد الأوروبي في هذا المجال تأسيس هيئة إنتسوغ (ENTSOG) أو (الشبكة الأوروبية لمشغلي أنظمة نقل الغاز)، التي أُعلن عنها في الأول من ديسمبر عام 2009، بعد عام من استيلاء روسيا على أجزاء من جورجيا.

والهدف من هذه الهيئة هو تشجيع التنافس والتجارة البينية في مجال الغاز في الأسواق الأوروبية الداخلية، وتطوير شبكة توزيع الغاز الطبيعي. وقد أنيطت بهيئة (إنتسوغ) مَهَمة وضع خطة أمدها عشر سنوات لتطوير شبكة نقل الغاز الأوروبية، التي من شأنها أن تسهل توفير الغاز لكل دول الإتحاد الاوروبي.

وتُجري (إنتسوغ) كل أربع سنوات سيناريو محاكاة لأزمة محتملة، تفترض فيه حصول كارثة أو أزمة في إنتاج الغاز، بهدف التعرف على البدائل المتاحة في ظل أزمة كهذه. وكان آخر هذه السيناريوهات قد أجري عام 2021، وخَلُص إلى أن البنى الأساسية الأوروبية للغاز لديها المرونة الكافية لتأمين تدفق كميات كافية لسد حاجة دول الاتحاد.

لكن هذا السيناريو لم يأخذ بالطبع احتمال قيام روسيا باجتياح أوكرانيا، واضطرار الدول الغربية لفرض عقوبات على روسيا تتضمن إيقاف استيراد الغاز منها، بهدف تجفيف مواردها المالية، أو حتى قيام روسيا بقطع إمدادات الغاز عن أوروبا، علما أن الرأي السائد والمنطقي هو أن روسيا لا يمكن أن تقْدِم على مثل هذا الإجراء، إذ هي لم تفعله حتى أيام الاتحاد السوفيتي السابق، إبان اشتداد الحرب الباردة، التي بقيت متواصلة لأربعة وأربعين عاما.

والسبب هو أن روسيا تعتمد بشكل أساسي على صادراتها من الغاز في تمويل جيشها وموظفيها ومؤسساتها. ورغم الاعتقاد السائد بأن روسيا لن تُقْدِم على إيقاف الغاز، لكنها أقدمت في العام الماضي مثلا، على تقليص كميات الغاز المصدرة إلى الاتحاد الأوروبي، بهدف الضغط على ألمانيا لكي تصدّق على خط أنابيب (نورد ستريم 2) الناقل للغاز الروسي إلى ألمانيا، ومع ذلك، فقد حجبت حكومة المستشار، أولاف شولتز، التصديق النهائي عن المشروع بعد اندلاع الأزمة الأخيرة.

لا شك أن الغاز الروسي يشكل أهمية كبرى لأوروبا، لكن السكوت على النزعة العسكرية التوسعية الروسية، التي انتهجها الرئيس فلاديمير بوتن منذ عقدين، سيكون خطيرا جدا، على أمن أوروبا والعالم أجمع، خصوصا بعد تهديده مؤخرا باستخدام السلاح النووي، وهذا الأمر، وإن كان مستبعدا، إلا أنه ممكن الوقوع، خصوصا عند الشعور بالهزيمة، التي بدأت ملامحها تلوح في الأفق.

ما هي البدائل إذن للغاز الروسي الذي يذهب 38% منه إلى أوروبا؟ وماذا لو حُلَّت الأزمة الأوكرانية خلال شهر أو شهرين، فهل يمكن الأوروبيين أن يثقوا بروسيا مستقبلا كشريك اقتصادي في ظل النظام السياسي الحالي؟ أحسب أن الثقة الغربية بروسيا قد تزعزعت، وربما تلاشت كليا الآن، لذلك فإن الأوروبيين أخذوا يبحثون جديا عن بدائل دائمة، وليست مؤقتة يغادرونها بعد انتهاء الأزمة الحالية.

هناك بدائل كثيرة، من الغاز الطبيعي والغاز السائل، لكنها تستغرق وقتا كي تتمكن من ملء الفراغ الهائل الذي تركه غياب الغاز الروسي. الولايات المتحدة يمكن أن تزيد من صادراتها من الغاز السائل إلى أوروبا. النرويج هي الأخرى منتجة للغاز ويمكنها أن ترفع إنتاجها الحالي. بريطانيا أيضا لديها خطط لرفع انتاجها من النفط والغاز من بحر الشمال، كي تسد النقص الحاصل في أسواق الطاقة، حسب إعلان وزير الأعمال البريطاني، كوازي كوارتنغ. كما تتجه إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إلى تعزيز الإنتاج المحلي للنفط والغاز لتقليص الاعتماد على الاستيراد.

دول شمال أفريقيا، خصوصا الجزائر وليبيا وتونس القريبة من أوروبا، غنية بالغاز، بدرجات متفاوتة، ويمكنها أن تزيد من انتاجها لملء الفراغ. إيطاليا، التي تعتمد حاليا على الغاز الروسي بنسبة 95%، حسب تصريح الرئيس الإيطالي، ماريو دراغي، الذي نقلته بي بي سي، سارعت للتباحث مع الجزائر، إذ زار وزير خارجيتها، لويجي دي مايو، الجزائر قبل أسبوع، وأجرى مباحثات مع المسؤولين الجزائريين حول إمكانية زيادة ضخ الغاز عبر خط أنابيب (Transmed) إلى إيطاليا للتعويض عن النقص المتوقع.

وصرح الرئيس التنفيذي لشركة "سوناتراك" الجزائرية، توفيق هكّار، بأن الجزائر مستعدة لتزويد أوروبا بكميات إضافية من الغاز عبر خط أنابيب (ترانزمد) المار عبر تونس وصقلية ثم إلى البر الإيطالي، والذي يبلغ طوله 2475 كيلومترا. وأضاف هكّار في مقابلة نقلتها صحيفة "لبرتي" الجزائرية، أن الجزائر لديها فائض من الغاز الطبيعي حاليا وأن سوناتراك "مجهِّز يُعتمَد عليه للغاز الطبيعي إلى الأسواق الأوروبية، وأنه مستعد لدعم الشركاء على الأمد البعيد في هذه الأوضاع الصعبة".

دول آسيا مثل كازاخستان وأوزبكستان وأذربيجان يمكنها أيضا أن تستثمر الوضع الحالي وتكثف من إنتاجها من الغاز بنوعيه، الطبيعي والسائل، لكن هناك حاجة لتشييد بنى أساسية للغاز الطبيعي كي يتدفق بسهولة إلى الأسواق الأوروبية. كما أن احتمال رفع العقوبات عن إيران يمكن أن يدخل الغاز الإيراني إلى السوق، ما يساهم في توفير الغاز وخفض الأسعار.

نقلاً عن سكاي نيوز عربية

البنك الأهلي
الأوربيون روسيا أوكرانيا الحرب حميد الكفائي سكاي نيوز السوق الغاز الايراني مصر اخبار مصر السلطة
tech tech tech tech
CIB
CIB