سهر الليالي.. فيلم غيّر في شكل السينما المصرية
محمد عدلي موقع السلطةفي أوائل الألفينات سيطر على السينما نوعيتان من الأفلام، إما الكوميدي وإما الأكشن الذي أعادت إمكانيات الصورة والتنقيات الحديثة تقديمه بشكل مقنع للجمهور، وكان من المخاطرة لأي منتج أن يغرد خارج السرب ويقدم عملا بنكهة اجتماعية، لذلك ظل سيناريو فيلم " سهر الليالي" حوالي عام قبل أن تتحمس له الشركة العربية للإنتاج والتوزيع، لتقدم لنا فيلما غير كثيرا في شكل السوق السينمائي.
فيلم سهر الليالي تجربة أولى للمخرج "هاني خليفة" وكذلك أولى تجارب السيناريست "تامر حبيب"، وعند مشاهدة الفيلم تشعر كأن التناغم بينهم يعود لسنوات، ومن أهم أسباب هذا التناغم في رأيي كان المونتير "خالد مرعي" والذي اعتبره حلقة الوصل وسبب رئيسي في نجاح الفيلم، خالد مرعي الذي قدم بعدها أفلاما مميزة من إخراجه مثل "أسف على الإزعاج، وتيمور وشفيقة".
تدور أحداث الفيلم حول الحياة الخاصة لأربعة من الأزواج الأصدقاء، قد تبدو قصة الفيلم بسيطة وتم تناولها في أكثر من عمل، حكايات زوجية مختلفة تعرض مشاكل الحياة الخاصة داخل مجموعة من الأصدقاء، إلا أن التناول كان مختلفا ويحتوى على تفاصيل وجمل حوارية أضافت روحا للعمل، عرض تامر حبيب، السيناريو بطريقة القصص القصيرة، أربع حكايات لأصدقاء تختلف طباعهم وطرق حياتهم، حياة كل منهم مليئة بالأحداث والمشاكل المختلفة التي تظهر على السطح تدريجيا، تدور أحداث الفيلم في 3 أيام فقط، يقدم فيها الكاتب قصة كل ثنائي بشكل متوازي ومتصاعد بين الأحداث، تبدأ الأحداث بعيد ميلاد ابنة خالد/فتحي عبد الوهاب لتبدأ الخلافات وتعريف الشخصيات للجمهور وبداية الخلافات، ليأخذك بعدها الكاتب في حكاية كل زوجين على حدى، خالد الذي يتلذذ ويفتخر بخيانة زوجته/منى زكي، مشيرة/جيهان فاضل التي تعاني في حياتها الجنسية مع زوجها على "ابن الناس الكويسة"/خالد أبو النجا وتسلم له نفسها كجثة هامدة، عمرو/أحمد حلمي الذي تزوج من فرح/حنان ترك رغم معرفته بحبها لشخص آخر لكنه تأقلم واستفاد من أموال أمها الراقصة السابقة نوارة/رجاء الجداوي، والثنائي الأخير، سامح/شريف منير ذلك الرجل الذي يفضل الحب دون زواج من تلك السيدة الجميلة إيناس/علا غانم.
كلها قصص منفصلة إلى حد كبير لأزواج تجمعهم صداقة وبعض المناسبات القليلة، تتزامن انفجار مشاكلهم بعد عيد الميلاد، تصارح بيري/منى زكي زوجها بعلمها بكل خياناته وتطلب منه ترك المنزل، تطلب مشيرة الطلاق من علي فيرفض ويعطي لها مهلة للتفكير، تواجه فرح زوجها عمرو بعلمها بحقيقة استفادته من الزواج منها ويخبرها بأنه ضحى لأنه تزوجها وهي تحب رجلا آخر، كأنهم تعروا لأول مرة أمام بعضهما، يحدث خلاف بين إيناء وسامح ويقررا الانفصال، 4 أحداث في نفس الوقت تتصاعد بهما الأحداث كأنك تعزف موسيقى بطريقة "الكريشندو"، ثم تهدأ الأحداث ويقرر بعدها الأبطال استرجاع أيام زمان والسفر لإسكندرية، ليبدأ الجزء الثاني من الفيلم.
حاول كل من المخرج هاني خليفة، والسيناريست تامر حبيب، أن يعطوا لشخصياتهم وقتا للتفكير في مشاكلهم بهدوء، في الوقت نفسه يفكر جمهور الفيلم في طرق حل للمشاكل التي عرضت عليه في الجزء الأول من الفيلم بعد أن تعرف على كل شخصية وطريقة تفكيرها، كأن المشاهد ذهب مع شخصيات الفيلم لرحلتهم إلى الإسكندرية.
بدأت الرحلة بصوت فيروز المبشر بالأمل والسعادة، وانتهت بلا فيروز وبلا قرارات، فقد هدوء الموجة ورؤية الصورة أوضح وأن الحل لا يكمن أبدا في الهروب.
لم يحاول صناع الفيلم إعطاء حلول لمشاكل أبطالهم أو نهايات سعيدة، واعتقد كان ذلك في صالحهم وأكثر واقعية، فقط مناسبة أخرى تجمعهم يبدو فيها أكثر هدوءا وسعادة، لكن ذلك لن يمنع الاصطدام مرة أخرى لنفس المشاكل، كذلك حياتنا اليومية، الحل النهائي للمشاكل لا يناسب الواقع دائما.
صرح مرة المخرج داوود عبد السيد: "تمنيت إنتاج الفيلم بعد رفض عدد من المنتجين له، وتحمست أكثر عندما علمت أن مخرجه هو هاني خليفة في أولى تجاربه"، وبالطبع حماس مخرج في قيمة "عبد السيد" لمخرج في بداية طريقه لن يكون نوع من أنواع المجاملة أو لن يأتي من فراغ، فقد عمل معه "خليفة" كمساعد في أكثر من عمل وكان على اقتناع أنه مستعد لتقديم نفسه كمخرج مميز.
اعتبر هاني خليفة، رغم أعماله القليلة واحدا من أهم مخرجي السينما المصرية من أول الألفينات، مخرج استطاع أن يعبر بالصورة عن الصراعات النفسية التي تدور داخل أبطاله وورط الجمهور فيها ليحدث نوعا من التوحد للمشاهد مع أحد شخصيات الفيلم، يرى فيه نفسه أو مشكلته وحكايته، فتتحول المشاهدة لمشاركة وتفاعل أكبر مع الأحداث.
من المفارقات الأخرى في الفيلم هو رفض جميع ممثليه له في البداية، جميعهم وقتها كانوا إما نجوما قدموا سينما ودراما مثل شريف منيرومنى زكي وحنان ترك، وإما وجه معروف من عمل واحد مثل جيهان فاضل من مسلسل " أرابيسك" أو ممثلين واعدين لهم حسابات أخرى في البطولة مثل حلمي وفتحي عبد الوهاب، ومع حماس الشركة المنتجة أعادوا تفكير وقراءة وبالفعل خاضوا التجربة.
قدم الممثلون مباراة تمثيلية تحسب لهم جميعا، أداء حركي وإحساس مختلف، لكن الأفضل من رأي كان الثنائي فتحي عبد الوهاب ومنى زكي، الزوج الخائن والمرأة الصبورة من أجل حبها وأولادها، مشهد مواجهتها له اعتبره من أهم مشاهد الفيلم وأهم مشاهد منى زكي في السينما، كذلك دور علا غانم كان مناسبا لها جدا، السيدة الجميلة الطموحة التي ترغب في الاحتفاظ بكل شيء، المستقبل والحب، اعتقد أن استمرار علا على هذا المنوال كان سيضعها في منطقة فنية مختلفة الآن لكنها انحرفت عنه كثيرا ولم تقدم شيئا يذكر بعد هذا الدور، ورغم صغر دور انتصار إلا أنها قدمت دور فتاة الليل بشكل مقنع وأضافت عليه لمسة كوميدية.
أداء جميع الممثلين مع الكتابة والإخراج والمونتاج وموسيقى هشام نزيه التي اعتبرها أحد أبطال العمل، قدمت لنا سيمفونية سينمائية قليلا ما تتكرر حتى على يد صناعها، ليبقي سهر الليالي فيلما غير في شكل السينما المصرية.