فطين عبد الوهاب .. مايسترو الكوميديا في السينما المصرية

ولد الراحل فطين عبد الوهاب فى مدينة دمياط، عمل والده فى وزارة المعارف، وكانت أسرته ميسورة الحال ولها باع فى الثقافة.

ولد فطين لأخين أكبر منه سنا، الأول هو سراج منير، الفنان الشهير، الذى ترك دراسته للطب فى ألمانيا واتجه للتمثيل دون أدنى اعتراض من والده المنفتح على الثقافات الأخرى، بينما شقيقه الثانى هو حسن الذى حصل على بكالوريوس الهندسة وسافر إلى ألمانيا لإتمام دراسته، وقرر هناك أن يتجه للنقد السينمائى والكتابات النقدية، وهو مالم يقف الأب أمامه أيضا وبعدها أخرج عددا من الأفلام، ثم اكتفى بدوره كناقد وكاتب سينمائى.

 

كانت لفطين اهتمامات أخرى غير الفن، فلم يخطر بباله أبدا أن يكون أحد أعمدة السينما المصرية، بعد إتمامه لدراسته الثانوية، التحق بكلية الزراعة، لكن الحظ لم يحالفه فى النجاح، فقرر ترك الكلية والالتحاق بكلية الفنون الجميلة.

 

ورغم رغبته فى دراسة الرسم تم توجيهه داخل الكلية لدراسة العمارة، وبعد تخرجه عمل موظفا فى مكتب جوازات السفر، ولأنه مختلف ولا يحب الروتين والرتابة، قرر أن يلتحق بالجيش المصرى عندما طلب الجيش لدفعة تطوعية من ضباط الاحتياط إبان الحرب العالمية الثانية، حتى تم نقله مع الجيش إلى قناة السويس.

 

أصبح وجود فطين وفرقته فى قناة السويس لا فائدة منه، فهم لا يعملون معظم الوقت، وكان لذلك أثر كبير فى أن يتعمق فطين فى القراءة عن السينما والفن والإخراج.

 

وفجأة قرر أن يترك السلك العسكرى ويتجه للفن، وحسم فطين موقفه عندما أثنى سراج منير على قراره ونصحه بأن ينفذ كل أفكاره المختلفة.

 

فى بداية احتكاكه بعالم الفن، تعرف فطين عبد الوهاب على أصدقاء جدد لديهم نفس طموحاته فى تغيير السينما وصناعة أذواقهم وفنهم الخاص بهم، ومن بين هؤلاء كان المخرج صلاح أبو سيف، والمخرج كمال الشيخ، والمخرج كامل التلمسانى.

 

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، كانت السينما تتطوق إلى دماء جديدة ومختلفة، وسعى المنتجون وقتها لإنتاج عدد كبير من الأفلام للترويح عن الشعب، وتوعيته بآلام الحروب وغرس قيم ومفاهيم معينة لديهم، كان ذلك كفيلا بأن يجد هؤلاء الطريق أمامهم ليبدأوا أولى خطواتهم فى عالم السينما والفن.

 

على الرغم من ميل فطين عبد الوهاب لتقديم أعمال كوميدية، اضطر فى عام 1949 إلى تقديم فيلم نادية الذى قامت ببطولته وأنتجته عزيزة أمير مع المخرج محمود ذو الفقار، الذى شاركها البطولة، وكان الفيلم من نوعية المليودراما التى لا تستهوى فكر فطين السينمائى.

 

البعض يؤكد أن فطين، عمل كمساعد لمحمود ذو الفقار، ولانشغال محمود بالوقوف أمام الكاميرا ألقيت مسؤولية الإخراج على عاتق فطين فكافأته عزيزة بوضع اسمه منفردا كمخرج للفيلم، ثم أتى عام 1950 ليبدأ فطين عبد الوهاب باكورة الأفلام التى تستهويه وقدم "زوج الأربعة"، وعلى الرغم من الكوميديا التى احتواها الفيلم، لم يوفق الفيلم جماهيريا، لكن فطين عبد الوهاب لم ييأس، وقدم فيلم "بيت الأشباح" مع إسماعيل يس، وعرف معه معنى النجاح الجماهيرى ثم رائعته الكوميدية "الأستاذة فاطمة" مع كل من فاتن حمامة، وكمال الشناوى، وعبد الفتاح القصرى، والكاتب على الزرقانى، والذى حقق أرباحا لم تخطر ببال منتجه، وهو ما تسبب فى سعادة بالغة لفطين جعلته يوقن بأن فكره السينمائى صحيح، وأن الكوميديا ستجد طريقها للجمهور لا محالة.

 

وصنع فطين عبد الوهاب، فى فترة الخمسينيات، دويتو خاصا مع نجم الكوميديا المتصدر وقتها الفنان الراحل إسماعيل يس، وقدم له أكثر من 12 فيلما منها بيت الأشباح، إسماعيل ياسن فى البوليس، الآنسة حنفى، الفانوس السحرى، حلاق السيدات، حيجننونى، البوليس السرى وغيرها.

 

وقرر فطين فى السيتنيات، تغيير إسماعيل ياسين نظرا لاختلاف ظروفه العمرية والجماهيرية، وقدم عددا من الأفلام مع نجم الكوميديا القادم بقوة فؤاد المهندس، وعمل معه أفلام مثل، صاحب الجلالة، أنا وهو وهى، اعترافات زوج، وعائلة زيزى، وهو الفيلم الذى لأكد فطين أنه الأقرب إليه، وإلى فكره السينمائى فى تقديم كوميديا معتمدة على روح الأسرة والعائلة.

 

حياة فطين عبد الوهاب الخاصة لم تبتعد كثيرا عن الفن، فقد تزوج فطين أربعة مرات من سيدات مرتبطات بالوسط الفنى، وكانت حبه الأول الفنانة ليلى مراد، حيث كان فطين يذهب يوميا إلى ستوديو مصر أثناء تصويرها لفيلم غزل البنات، يراقبها، وازداد شوقه إليها، حتى تزوجها وأنجب منها ابنه الوحيد زكى فطين عبد الوهاب، والذى عمل بالتمثيل بعد أن تقدم فى العمر.

 

تزوج فطين أيضا من الفنانة "هاجر حمدى"، ثم "تحية كاريوكا" التى لم يستمر زواجه منها طويلا بسبب غيرته المفرطة عليها، وأخيرا تزوج من خارج الوسط الفنى "منيرة" وهى شقيقة الفنانة "نجلاء فتحى".

 

وقدم فطين عبد الوهاب للسينما أكثر من 57 فيلما، وعلى الرغم من ريادته فى سينما الكوميديا، إلا أنه لم يغفل عن تقديم أعمال درامية أثرت السينما بكثير من العمق والإسقاطات.

 

وفى عام 1972 فارق المخرج العبقرى فطين عبد الوهاب الحياة، بعد أزمة قلبية حادة، وقبل وفاته طلب منه الطبيب ضرورة اتباع نظام غذائى، وعندما زارته صديقته نادية لطفى قال لها ضاحكا: "مرة واحد عمل رجيم لحياته مات"، فاستاءت نادية لطفى، فرد عليها قائلا: "ربنا مش عاوز يجدد باسبورى يا نادية.. عندك اعتراض؟".