”الثلاثية” .. أهلكت نجيب محفوظ 6 سنوات وكان أحد أبطالها الحقيقيين (2)
عزة عبد الحميد موقع السلطة"زوروني كل سنة مرة حرام تنسوني بالمرة".. كانت هذه أغنية سيد درويش علامة موسيقى عصر ثورة 1919 وما تبعه، وهي ما استخدمها الروائي العالمي نجيب محفوظ، لتكون دلالة وعلامة عن "ثلاثيته"، التي لمعت كلؤلؤة وسط لآلئ نجيب محفوظ المتناثرة، والتي كانت بصمة وعلامة في سيرته الأدبية، فهي مجموعة الروايات التي أرخت بشكل واقعي لمصر ، في الفترة ما بعد ثورة 1919.
وحتى منتصف الأربعينات، ليقدم من خلال هذه الرواية القضايا التي شغلت المجتمع في تلك الفترة، كانت تلك الرواية في البداية عبارة عن 1000 صفحة، تحوي الثلاث أجزاء استمر في كتابتها لمدة 6 سنوات.
وحين أقدم على نشرها وقدمها لصديقه "عبد الحميد جودة السحار"، قسمها إلى 3 روايات ووضع الأديب الأسماء الخاصة بها.
الثلاثية .. فكرة أساسها طه حسين
وقال نجيب محفوظ أن فكرة هذه الثلاثية خطرت إلى ذهني بعد أن انتهيت من قراءة رواية "شجرة البؤس"، لعميد الأدباء طه حسين، فقد تأثرت بها جدًا، وكنت اتمنى أن أكتب قصة أجيال.
وعن شخصيات الرواية قال النجيب: أنها كانت شخصيات كثيرة جدًا فاضطررت إلى أن أقوم بعمل أرشيف لهم، "عشان متوهش"، فهما 50 شخصية، تعبتني من الزحمة في التخطيط.
البحث عن الحرية
جسد "محفوظ" المجتمع من خلال شخصية محورية وهي "السيد أحمد عبد الجواد"، الرجل التاجر السخي صاحب الشخصية الازدواجية، فهو قوي الشكيمة في منزله وعلى الجانب الآخر، فهو الرجل "صاحب المزاج" في الخمر والنساء وما شابه ذلك، لتتفرع من خلاله عدة شخصيات كلها باحثات عن الحرية كلًا بمنظوره الخاص.
تسلسل الأحداث
عرض من خلال الجزء الأول من الرواية وهو "بين القصرين" عرض عام للشخصيات الأساسية وملامح إجمالية عنها وتعريف بها وبتكوينها وتاريخ وتفكير كلًا منها.
إلى أن ينقضي الزمن ويظهر التطور في الجزء الثاني من الرواية وهو "قصر الشوق"، أن يبدأ الأبناء في رحلتهم التعليمية ويستشهد أحد أبناءه والثاني يُصبح مدرسًا للفلسفة، وما إلى ذلك.
لنجد أننا أمام تأريخ للعصر وأحداثه وطبقته المتوسطة والمكان التي خُلقت به الرواية، بالإضافة إلى ظهور أصحاب الفكر وما كانوا يتعرضون له من تهكم واضطهاد وكان هذا متمثلًا في "كمال السيد أحمد عبد الجواد".
هل نجيب محفوظ هو ابن عبد الجواد
صرح "النجيب" ذات مرة أن كمال أحمد عبد الجواد هو رحلة وعي نجيب محفوظ، وأنه يحمل جزء من شخصيته، فهو الأخ الأصغر لأخوته وكان بعمر الـ8 حين اندلعت ثورة 1919، كما أن تحربة أمينة زوجة أحمد عبد الجواد ووالدت مال، هي قريبة جدًا من والدته التي كانت مولعة بالأولياء وزيارتهم والكنائس والأديرة والمتحف المصري.
وكانت تلك من النوادر التي يُظهر فيها نجيب محفوظ شخصيته الحقيقة بأي من أعماله الفنية.
خلق الأديب بقلمه عوالم لم يجرؤ على دخولها أي كاتب أو حتى يشير إليها، فكان هو المؤرخ الفيلسوف الأديب، الذي انتهى من كتابة هذه الرواية قبل اندلاع ثورة يوليو 1952، والتي أوقفته تلك الثورة عن الكتابة لمدة 5 سنوات.
اقرأ أيضًا .. تحدث الجماد في حضرته.. نجيب محفوظ الذي واجه القاهرة وصارحها (١)