بيتر شمايكل وكاسبر.. كيف فشل إكرامي وولده في التجربة الدنماركية؟ (سيناريو تخيلي)
معاذ سندصباح يوم قارس البرودة كعادة تلك الأيام من شهر يناير هناك في كوبنهاجن، لا مكان للشمس، كرات الثلج تتساقط بغزارة.. ولكن الأمور- وقتها- تبدو على ما يرام، بيتر يدرب نجله كاسبر في الحديقة الخلفية للمنزل.. في الواقع كان يدرب وحشًا كاسرًا، بيتر شمايكل الحارس الأمين الذي حمى عرين شباكه بالدم والعرق كان يعد العدة لبناء سدًا منيعًا يخلفه مدافعًا عن ألوان الدنمارك.
وقتها صاح بيتر «أيها اللعين كاسبر، لقد توقفت عن الجري قبل أن تنته العشر دقائق المخصصة للتمرين، غدًا أول اختبار لك في"فريق بروندبي"، هل تريد أن تظهر كالفتاة أمامهم! هيا أكمل تمرينك».
في تلك الأوقات، لا أعلم قبلها أم بعدها بقليل، كانت الأمور مختلفة في الجانب الأخر من البحر الأبيض، تحديدًا في قاهرة المعز، الفتى المدلل "شريف" يسير مُهندمًا وبجواره ذلك الأسد الجاسر الذي عرف هناك بوحش أفريقيا، إكرامي الحارس التاريخي للعرين الأحمر.
موضوعات ذات صلة
حينها قال إكرامي لنجله متمتمًا "ستذهب للإنضمام في صفوف ناشئي فريق والدك، وتصبح حارسًا عظيمًا، هكذا تسير الأمور هنا، المرء على دين خليله، والإبن على مهنة والده، سأقف خلفك دائمًا، لن يجرؤ أحد على المساس بك، ستصبح حارس الأهلي رغم أنف الجميع".
لم يمتلك شريف ولا حتى ربع مواهب أخيه الراحل، أحمد، أفضل حارس إفريقي بسن الـ17، وحامي عرين ناشئي الفراعنة والأهلي.. ليس عادلًا القدر، شابين أحدهما موهوب والآخر يحتمي بتاريخ وقوة أبيه داخل جدران القلعة الحمراء، الأول يختطفه القدر لجوار ربه، والثاني يحرس عرين أكبر أندية القارة السمراء، عجيب أمر القدر!!
مرت الأيام سريعًا كعابر سبيل، تطور كاسبر تطورًا كبيرًا في قطاع ناشئي بروندبي، الشبل ظهرت عليه شيئًا فشيئًا ملامح ذاك الأسد الدنماركي.
وقتها لوّح مونديال فرنسا بالأفق، المنتخب الدنماركي الملقب بالديناميت ظهر كحصان أسود للبطولة تحت قيادة بيتر واستطاع الوصول لربع النهائي، ولكن اصطدمت طموحات شمايكل ورفاقه براقصي السامبا البرازيليين الذين اسقطوهم في قلب المدنية الفرنسية "نانت" بثلاثية مقابل هدفين.
بكى شمايكل الأب وقتها حسرة على خروجه من منافسات المونديال، هرول كاسبر ناحيته واحتضنه، لا تبك يا أبي سأعيد مجد الدنمارك مجددًا، هكذا تحدث الفتى لأبيه والدموع تملأ عينيه حسرة على بلده وحزنًا على أبيه، همس بيتر في أذن الصغير "حسنًا كاسبر، لقد ذهب كل شيء أدراج الرياح، اذهب وأعد لنا كل شيء يا ولدي".
ظلت تلك الليلة كابوسًا لكاسبر يؤرق نومه طوال سنواته التالية، لم تمض ليلة إلا وكلمات والده تتردد في أذنه، نعم أبي سأعيد للدنمارك مجدها.
لم يمض الكثير حتى لمع نجم شمايكل الصغير، وقتها قرر الذهاب إلى إنجلترا مهد كرة القدم، فلعب لمانشستر سيتي وكارديف حتى انتهى به المطاف مع ثعالب الكينج باور، ليستر سيتي، فحقق معهم الإعجاز عندما فاز بلقب الدوري الإنجليزي عام 2016 وتأهل مع الدنمارك إلى مونديال روسيا 2018، وشمايكل الأب لا يملك سوى التشجيع فقط.
هناك في العاصمة المصرية بدت الأمور أسهل كثيرًا على الوريث الشرعي لعائلة إكرامي، بعد الأخ الأكبر الراحل والأكثر موهبة، تدرج في الناشئين وصولاً للفريق الأول ثم رحلة احتراف باهتة لم تسمن أو تغنْ من جوع والعودة مجددًا إلى الجونة، صاحب التاريخ الضحل، ومنه إلى الجزيرة مباشرة، إلى القلعة الحمراء ليحرس مرمى الفريق الأول للأهلي المصري.
أداء متذبذب لشريف على مدار المواسم التي قضاها حاميًا للعرين الأحمر، حراس كثر قضى على آمالهم نجل وحش إفريقيا، وظهور مخيب في معظم المباريات المهمة، إلا أن إكرامي الأب كان دائمًا ما يقف موقف المدافع المستميت عن أخطاء ولده وصبيانية تصرفاته التي دائمًا ما استفزت الجماهير مرددًا كذبة أن الإعلام والجماهير متربصون بشريف.
كما قيل قديمًا، تدليلك لولدك قد يقويه مرة ولكنه حتمًا يضعفه ألف مرة، هكذا وقف إكرامي كالشوكة في حلق مسيرة إبنه الكروية رغم أنه كان السبب في بداياتها من الأساس، مع كل خطأ كان يقف الأب صارخًا في وجه الجميع "شريف إبني قدم مباراة جيدة ولم يكن الخطأ منه"، ومع كل هزيمة يتسبب فيها شريف كان إكرامي يوجه أصابع الإتهام إلى الإعلام والجماهير والمحللين والمدربين وربما حتى لصانعي الكرات أو شركة القفازات التي يرتديها نجله حتى شعر شريف أنه فوق زملائه وفوق إدارة الفريق والجماهير وفوق الجميع.
سأرتكب الأخطاء، سأضع حذائي في وجه كل من يخطر على باله إنتقادي،حتى لو استفززت مشاعر الجماهير بكلماتي عبر منصات التواصل الإجتماعي مدام في ظهري يقف ذلك الوحش الجاسر الذي كان يزأر في مرماه للدفاع عن مرمى المصريين والآن أصبح على استعداد لقتال 100 مليون مصري، بل ربما مصر ذاتها من أجل فتاه المُدلل.
في مونديال روسيا كانت الأمور واضحة وضوح شمس أغسطس في حي وسط القاهرة، من شبّ على شيء شاب عليه، كاسبر يحمي عرين بلاده في المنافسة الأعظم في تاريخ اللعبة، بينما شريف يمنحه والده مكانًا مجانيًا في قائمة الفراعنة كحارس ثالث مع شكوك كبيرة في مجاملة مدرب الفريق له على حساب آخرين كانوا الأفضل.
انطلقت المنافسات وغادر المصريون أرض الروس مبكرًا، 3 مباريات لم يبرح فيها إكرامي دكة البدلاء، 3 خسائر كارثية للفراعنة نتيجة طبيعية للمجاملات في اختيار القائمة وعلى رأسهم شريف إكرامي والتخبط الإداري والتنظيمي في كل شيء. بينما كان لكاسبر ورفاقه رأي آخر، الوصول لثمن النهائي وتقديم مباراة كبيرة أمام الكروات أبدع فيها شمايكل الأبن وقدم أداءً بطوليًا تحت أنظار والده،هنا يطير يتصدى لتسديدات أبناء كرواتيا، وهناك يحمي حُلم والده بتصدي لركلة جزاء قبل 4 دقائق من النهاية إلا أن ضربات الترجيح لم تأت بما تشتهيه سفن الدنمارك.
بعد الخروج المخيب، ذهب بيتر إلى غرفة ملابس اللاعبين، وجد كاسبر يجلس وحيدًا بجوار الحائط يبكي، "آسف أبي، لقد خذلتك"، ابتسم بيتر وربت على كتف ولده قائلًا "لا عليك كاسبر، عندما تجف دموعك ستعرف أنك أبليت جيدًا"
تحرك بيتر للخروج من الغرفة وعندما وصل إلى الباب توقف ثم نظر إلى كاسبر، ضحك بصوت عال "اللعنة عليك يا فتى، لقد تحدث الجميع عنك الليلة، يقولون أنك تمامًا كوالدك".