أخذ أقل مما يستحق.. كيف دافع محمد حسنين هيكل عن مكرم عبيد؟
هاني فرجيعد كتاب "عام من الأزمات" للكاتب الكبير الراحل محمد حسنين هيكل، من الكتب الدسمة التي تعج بالقضايا والتفاصيل على مدى ما يقرب من قرن من الزمان، ومن بين تلك الكواليس التي كشفها الراحل قصة الراحل مكرم عبيد أحمد زعماء الحركة الوطنية في القرن العشرين، ووزير المالية الأسبق.
وكشف هيكل عن دوره خلال تلك الحقبة قائًلا:"الحـقـيـقـة أن مكرم عبيد، أخـذ أقل مما يسـتـحـق فـي الاعتراف بدوره في تمتين رابطة الوطنية المصرية (وفي صميمها فكرة بالمواطنة) من حيث إنه المسيحي القبطي المتمثل لروح الحضارة العربية (وهي إسلامية) الذي استطاع لسنوات طويلة من أواخر العشرينات وطوال الثلاثينات وحتى بداية الأربعينات أن يجعل من نفسه ومن دوره رمزا بالغ الأهمية في الحياة السياسية المصرية.
موضوعات ذات صلة
- مات لحظة توزيع الجوائز.. لحظة وفاة القيادي الوفدي خالد عاشور في البحيرة | فيديو
- الوفد: التغيير مطلب حيوى فى تلك المرحلة الراهنة
- برلماني: مصر بقيادة السيسي تلعب دورا واضحا لتسوية الأزمة الأوكرانية
- برلمانى: رسائل الرئيس السيسى فى قمة جدة تؤكد استراتيجية مصر الناجحة فى السياسة الخارجية
- يونيو القادم.. الحكم على يوسف بطرس غالى بقضية ”فساد الجمارك”
- حزب الوفد يعلن عن إعادة تشكيل اللجان النوعية المتخصصة
- عاجل.. مرشح جديد لانتخابات رئاسة حزب الوفد
- لليوم الثاني.. اللجنة المشرفة على انتخابات رئاسة الوفد تواصل عملها
- رئيس حزب الوفد يشيد بالتنمية في عهد السيسي: الصعيد يجني ثمار 7 سنوات من الإنجازات
- للجنة العامة لحزب الوفد تعقد اجتماعا في الدقهلية.. التفاصيل
- أمل رمزي: احتفالية طريق الكباش أبهرت العالم بحضارة المصريين
- عاجل.. تأجيل محاكمة متهمي خلية جند الله
كان وجود مكرم عبيد على قمة حزب الوفد في حد ذاته يغني عن اجتهادات كثيرة تغير بالطبيعة السبايا للاختلاف، وكان الأمل أن يظل الرمـز قـائمـاً بدوره ريثما تتمكن المفاهيم والمعاني من مد وتعميق جذورها، لكن أحوال السياسة، والهواء البشر، والفوط ظروف دولية طاغية تكاتفت كلها لمحـاصـرة الحلم الوطني المصـرى ، ولم يكن هذا الحلم . لسوء الحظ . قادرا على مواجهتها، وكان مکرم میده رمنا ودورا ضمن قائمة الضحايا في أزمة العلم الوطني المصرى.
كان مكرم عبيد وهو الشخصية النافذة في الوفد، قد بدأ يحس بما طرأ على الحزب بعد زواج زعيمه مصطفى النحاس، وهو في الخامسة والخمسين من عمره بفتاة شابة جميلة في العشرين من عمرها عند إتمام الزواج، وفي أبسط الأحوال وأهونهـا فـإن مكرم عـبـيـد "مع أنه أكثر الساعين في زواج النحاس" وفي اختياره لشريكة لحياته، بدأ يحس أن هناك تأثيرا منافسا له على وقت الزعيم، واهـتـمـامـاته، وكذلك فكره ! ومع تزايد سلطان البيت، فإن سلطان الحزب، راح يتناقص، و مكرم عبيد، بواقع الحال أول من يحس بالتغيير.
وأما الأسباب الذاتية التي تخص مكرم عبيد شخصياً، فأولها أن المجاهد الكبير عيار آخر غير عيار كل من سبقوه إلى الخروج من الوفد.
فهو بذاته روح الوفد السياسي، ومدير شئونه الذكي، وصـوته البليغ الناطق باستيعاب كامل للحضارة المصرية والعربية ومـحـتـواهـا الإسلامي، وهو محرك تواجد الوفد وسط مواقع التأثير في الحياة العامة وأهمها تلك الأيام حركة النقابات المهنية، ثم هو المثقف الواعي اجتماعيا والذي استطاع أن يقول للكل في آخر ميزانية قـدمـهـا: "إننا حررنا المواطن المصرى من استغلال الأجنبي، وأن أن نحرر المواطن المصري من الاستغلال المصري، واخيرًا واهم في نظر أحمد حسنين (بالا) وتلك من خطاياه غفر الله له).
تقديره أن خروج مكرم عبيد سوف يضع الأقباط جميعا أمام اختيار صعب، فمكان مكرم عبيد حيوي في الوفد، ودوره الواسع مظلة فوق كثيرين، ووجوده في حد ذاته ضـمـانة وعلامة على أن الوفد هـو الـبـاب المـفـتـوح بوعي لواحدة من الـحـقـائق التاريخية الكبري في مصر (شعب واحد ودينان).
وتردد مكرم عبيد في الشهور الأولى من سنة ١٩٤٢، ثم غلبته هواجسه، وكان الرجل، شأنه شأن كثير من الثقلين شخصية بالغة الحساسية شديدة التوتر. سريعة التأثر ليس فقط بالوقائع ولكن حتى بالإشارات والتلميحات. وكذلك استطاع أحمد حسنين أن يحقق هدفه.
خرج مكرم عبيد من الوفد، وخرج ومعه جمع كبير من أقطاب الحزب، ولم يكن في مقدور أحد أن يتجاهل حقيقة أن الخارجين بينهم عدد ملحوظ من كبار الأقباط.
ولم يخرج مكرم عبيد ساكتاً رغم قسوة الأحكام العرفية في زمن الحرب، وإنما خرج ومعه سجل حافل بما اعترض عليه من تصرفات زعامة الوفد ومحيطها أسماه الكتاب الأسود للعهد الأسود.
ومن المفارقات أن فصول الكتاب كانت أسلم تسلا بعد فصل إلى مندوب يمثل القـصـر، يحملها كي تحفظ في خزينة رئيس ديوان جلالة الملك، حتى يجيء أوان الطبع والتوزيع وكانت تلك فـتـرة الـحـيـرة الكبرى لأقباط مـصـر منذ بدأ انخراطهم في الحـيـاة السياسية المصرية الحديثة بعد تشكيل الوفد، والمزعج أن أحـمـد حـسـنين لم يكن غافـلا عـمـا يفعل، فقد كان وهو يشق الوفد يغامر أيضاً في مجال العلاقة بين المسلمين والمسيحيين.