عقيلة راتب.. تحدت الدبلوماسي ولُقبت بأول سندريلا عربية

في عام 1922 اقتحمت قوة من الاحتلال الإنجليزى منزل الدبلوماسي، محمد كامل، أحد قيادات وزارة الخارجية، والمصري الوحيد الذي تولى منصب رئيس قلم الترجمة بالوزارة، لتبحث عن أصول المنشورات التى توزع ضدهم، والتى كان لها دوراً كبيراً في ثورة 1919 ، حيث كان محمد كامل بك يترجمها الذى يتقن 7 لغات يترجم هذه المنشورات إلى الإنجليزية والفرنسية .

 

 شعرت الطفلة «كاملة» ابنة الدبلوماسى المصرى التى لا يتجاوز عمرها 6 سنوات بالرعب، وهى ترى الجنود الإنجليز يفتشون البيت ويعيثون فيه فساداً، وفجأة شاهدت أحد هؤلاء الجنود يحمل صندوق اللعب الخاص بها، فأمسكت به وتشبثت بصندوق اللعب وظلت تصرخ، وبكل قوته ضرب العسكرى الإنجليزى الطفلة على رأسها ففقدت الوعى .

 

استفز هذا المشهد أهالى منطقة الخليج المصرى التى تسمى حاليا شارع بورسعيد، فاندفعوا نحو الجنود الإنجليز ، ونشبت معركة سقط على أثرها خمسة قتلى من الأهالى وعدد من الجرحى، وتم اعتقال محمد كامل، وبعدها قامت مظاهرة كبيرة اضطرت الإنجليز للإفراج عن الدبلوماسى والد الطفلة كاملة، وصدرت صحف اليوم التالى تحمل عنوان «حادثة الخليج المصرى» نسبة إلى الشارع الذى يسكن فيه محمد كامل بك.

 

أصبحت هذه الطفلة فيما بعد أحد أشهر نجوم الفن في مصر، ورائدة من رواد السينما والمسرح والتليفزيون، وفنانة استعراضية تمتلك العديد من المواهب التي جعلتها تحصل على لقب أول سندريلا في السينما المصرية، بينما لا يعرفها الكثيرون إلا فى أدوار الأم.

 ومنها دور الأم فى فيلم «عائلة زيزى»، أو حفيظة هانم فى مسلسل عادات وتقاليد، وذلك بعدما احترقت معظم شرائط أفلامها القديمة فى حريق استوديو مصر.

 

وهى ذاتها الطفلة كاملة محمد كامل، التى ولدت لأسرة ارستقراطية فى 23 مارس 1916، فوالدتها من أصول تركية والأب دبلوماسي يتحدث 7 لغات، وكان يحلم بإنجاب ولد بعدما فقد ابنه الوحيد الذي مات طفلاً فأصبح أبو البنات بعدما أنجب ابنته الصغرى «كاملة».

 

ظهرت المواهب الفنية على الطفلة كاملة فى سن الطفولة، فكانت تُغنى وترقص وتمثل في الحفلات المدرسية بمدرسة التوفيق في الضاهر، حتى أصبحت أشهر طفلة فى المدرسة.

 

وخلال رحلة نظمتها المدرسة غنت الطفلة كاملة فى القطار واندمج معها الركاب وتصادف وجود أحد الصحفيين، فكتب فى اليوم التالى عن إعجابه بصوت مطربة القطار.

 

أنها الفنانة الراحلة عقيلة راتب، التى غيرت اسمها من كاملة محمد كامل إلى هذا الاسم بعدما رفض والدها الدبلوماسى الكبير عملها بالفن، وقاطعها لسنوات أقامت فيها خلالها فى بيت عمتها، وحققت شهرة واسعة وهى في سن صغير لا يتخطى 16 عاما.

 وتهافتت عليها الفرق المسرحية فعملت في فرقة عكاشة والكسار وغيرها وحققت نجاحات مبهرة وكانت من رواد السينما، واكتشفت عددا من عمالقة الفن ومنهم محمد فوزى وعماد حمدى وأنور وجدى وغيرهم.

من أهم أعمالها السينمائية قلب المرأة مع سليمان نجيب، وطلاق سعاد هانم مع أنور وجدي، وألف ليلة وليلة مع علي الكسار، ودايما في قلبي والسوق السوداء مع عماد حمدي، والمظلومة مع سراج منير، وأيام و ليالي مع عبد الحليم حافظ، وحب و دموع  مع فاتن حمامه و أحمد رمزي.

 

ولقبت بأول سندريلا الشاشة العربية، حيث كانت تجمع معونة الشتاء سنوياً لفقراء مصر ، كما ساهمت بالعديد من الأعمال التلفزيونية مع بدايات ماسبيرو، حيث كانت تصعد إلى الاستديو بالسقالة عام 1960لتصوير مشاهد مسلسل عادات وتقاليد أحد أشهر المسلسلات التلفزيونية الذى ارتبط بها الجماهير ووصل عدد حلقاتها إلى 338 حلقة ، وقامت فيه بدور حفيظة هانم، وتم تكريمها من ثلاثة رؤساء جمال عبد الناصر و محمد أنور السادات ومحمد حسني مبارك.

وظلت مسيرة عقيلة راتب فى العطاء الفنى حتى وفاتها فى 22 فبراير عام 1999بعد ما فقدت بصرها.