لهذه الأسباب.. ترامب أقال مستشار الأمن القومي
وكالات
شهدت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال ما يزيد على عامين ونصف العام، عددا قياسيا من الإقالات والاستقالات والتغييرات بشكل لم تشهده إدارة ديمقراطية أو جمهورية من قبل.
وقد كان أحدثها إقالة مستشار الأمن القومي جون بولتون، بناءً على طلب من ترامب، الذي غرّد على حسابه بموقع تويتر: "أبلغت جون بولتون بأنه لم تعد ثمة حاجة لخدماته في البيت الأبيض".
لكن "بولتون" كذب تلك التغريدة، حيث كتب على حسابه على موقع تويتر أنه عرض على "ترامب" الاستقالة قبل تغريدته السابقة، ولكنه أجابه: "دعنا نتحدث بهذا الشأن غدا".
إن إقالة ثالث مستشار للأمن القومي بإدارة ترامب بعد مايكل فلين وهربرت ماكماستر، ليست بالأمر المفاجئ، حيث كانت هناك مؤشرات تدل على قربها؛ لتزايد الخلافات بينه وبين "ترامب" خلال الأشهر الماضية بشأن كثير من الملفات التي تنخرط فيها الولايات المتحدة في الوقت الراهن.
وقد عبّر الرئيس الأمريكي عن ذلك صراحة في التغريدة التي طالب فيها "بولتون" بتقديم استقالته، حيث أشار إلى أنه اختلف معه بشدة في كثير من اقتراحاته.
وهو الأمر الذي دفع ترامب لتهميشه عن مباحثات السلام الذي يقودها المبعوث الأمريكي الخاص للسلام في أفغانستان "زلماي خليل زاد" مع حركة طالبان.
أسباب الإقالة
ترجع إقالة ثالث مستشار للأمن القومي بإدارة ترامب بعد ما يقرب من ١٧شهرا من توليه المنصب لعدة أسباب؛ يتمثل أبرزها فيما يلي:
أولا: عدم إيمان ترامب بمؤسسية صنع القرار الأمريكي الخارجي، بينما كان "بولتون" أكثر حرصا على أن يكون لمجلس الأمن القومي الذي يترأسه دور في ترشيد قرارات الرئيس التي يكون لها تأثيرات على المصلحة والأمن القومي الأمريكي.
ثانيا: معارضة "بولتون" لنهج "ترامب" لإدارة السياسة الخارجية الأمريكية؛ حيث يركز الأول على المبادئ التقليدية للحزب الجمهوري التي تحكم رؤيته تجاه قضايا السياسة الخارجية، بينما يركز الثاني على بناء العلاقات الشخصية مع رؤساء الدول الأجنبية، الأمر الذي يرفضه بولتون، ولذلك عارض لقاءات الرئيس مع زعيم كوريا الشمالية، لكن ترامب قابله ثلاث مرات حتى الآن.
ثالثا: اختلاف رؤى الرئيس ومستشاره السابق للأمن القومي الذي يتبنى رؤية "صقورية" لقضايا السياسة الخارجية الأمريكية، وكيفية تعامل الإدارة الأمريكية معها مع إيلاء الخيار العسكري على الدبلوماسي، ما دفع "ترامب" إلى التصريح في السابق بأن القرار لو كان يرجع لـ"بولتون" لكان هاجم العالم كله في الوقت نفسه.
وعلى الرغم من تأييد "بولتون" لقرار الرئيس بالانسحاب الأحادي من خطة العمل الشاملة المشتركة بين إيران ومجموعة (٥+١) في الثامن من مايو 2018، رفض "ترامب" في يونيو الماضي توصيته بتوجيه ضربة عسكرية ضد طهران في أعقاب إسقاطها طائرة التجسس الأمريكية بدون طيار.
ومع رفض "بولتون" إبرام اتفاق مع حركة طالبان، وسحب القوات الأمريكية من أفغانستان، استمر الرئيس "ترامب" في دعم مباحثات السلام مع الحركة، بل وجّه دعوة لعدد من مسؤوليها للاجتماع معه في كامب ديفيد، قبل أن يلغيها خلال تغريدات له على حسابه بموقع "تويتر" قبل موعد انعقادها بيوم واحد.
وكان "بولتون" يضغط على ترامب كي لا يتخلى عن الضغوط الأمريكية على كوريا الشمالية بسبب برنامجها النووي والصاروخي رغم الجهود الدبلوماسية التي ينتهجها الرئيس، وثلاثة لقاءات مع زعيمها كيم جونج أون.
وقد دفع تصريحه بأن ليبيا يمكن استخدامها كنموذج للطريقة التي يمكن من خلالها إقناع بيونج يانج بالتخلي عن برنامجها لتطوير الأسلحة النووية إلى تهديدها بوقف المحادثات مع واشنطن، التي يروج لها "ترامب" على أنها أحد أهم إنجازاته الدولية.
وهو الأمر الذي دفعه إلى توضيح أن النموذج الليبي ليس النموذج الذي تتبناه الإدارة الأمريكية عند التفاوض مع كوريا الشمالية على برنامجها النووي والصاروخي.
انعكس الاختلاف بين "بولتون" و"ترامب" حول السياسة الخارجية الأمريكية تجاه كوريا الشمالية، فقد زار الأول منغوليا في 30 يونيو/حزيران 2019 بينما ذهب الثاني إلى المنطقة منزوعة السلاح بين الكوريتين لإجراء مصافحة تاريخية مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون، ما كشف عن فجوة متزايدة بين الرئيس ومستشاره السابق للأمن القومي.
دعا مستشار الأمن القومي السابق الرئيس الأمريكي إلى دعم التمرد الشعبي ضد الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، بما يساعد في قيادة فنزويلا إلى الحرية، لكن ترامب أبدى اهتماما ضئيلا بالقيام بالكثير حيال ذلك، ولا يزال "مادورو" في السلطة.
دفع الخلاف بين وجهتي نظر بولتون وترامب حول كثير من قضايا السياسة الخارجية مستشار الأمن القومي السابق إلى التراجع عن الظهور في البرامج الحوارية الرئيسية على كبرى القنوات الإخبارية للدفاع عن خطط الإدارة الأمريكية للتعامل مع الشؤون الدولية لأنه غير راضٍ عن كثير منها، وهو الأمر الذي أثار غضب الرئيس الأمريكي.
وفي المقابل، ظهر وزير الخارجية مايك بومبيو، في أعقاب إعلان الرئيس إلغاء اجتماع سري بكامب ديفيد كان سيحضره مسؤولون من حركة طالبان والرئيس الأفغاني أشرف غني، في خمسة برامج حوارية في اليوم التالي لقرار الرئيس الأمريكي (في ٨ سبتمبر الجاري) للدفاع عنه.
رابعا: صدام بولتون مع عديد من أعضاء الإدارة الأمريكية، وفي مقدمتهم وزير الخارجية القريب من الرئيس ترامب، الذي يدرك أنه هو صاحب القرار، ولذا لا يعارض أيا من قراراته الخارجية.
وهو الأمر الذي دفع مستشار الأمن القومي السابق إلى خوض معارك بيروقراطية سأم منها الرئيس الأمريكي، فضلا عن صدامه مع مكتب السيدة الأولى ومساعدتها السابقة والناطقة الجديدة للبيت الأبيض ستيفاني جريشام.
تأثيرات الإقالة
هناك وجهتا نظر حول احتمالات تأثير إقالة جون بولتون على سياسات الرئيس دونالد ترامب تجاه القضايا الدولية التي تتقدم أجندة الإدارة الأمريكية في الوقت الراهن.
ترى وجهة النظر الأولى أنه لن يكون لها تأثير؛ لأن الرئيس هو من له قول الفصل في القرار الأمريكي الخارجي، بالإضافة إلى اتخاذ "ترامب" قرارات تتعارض مع رؤى "بولتون" وقت ما كان يتولى منصبه، مثل إجراء مباحثات سلام مع حركة طالبان، والإعلان عن التوصل إلى اتفاق قد يسمح بانسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، قبل أن يعلن وقفها، عقب قتل جندي أمريكي في حادث إرهابي نفذته الحركة في ٥ سبتمبر/أيلول الجاري.
أما وجهة النظر الثانية، ترى أن إقالة "بولتون" سيكون لها تأثير لا يمكن إنكاره في السياسة الخارجية الأمريكية، حيث كان يكبح جماح الرئيس الأمريكي.
وبذلك يكون هناك تجانس بين ترامب وفريقه للسياسة الخارجية والأمن القومي، لا سيما مع توقع اختياره شخصا لمنصب مستشاره للأمن القومي لا يتعارض مع توجهاته الخارجية، ومقربا من وزير الخارجية "بومبيو".
ومع خروج بولتون من الإدارة الأمريكية، ستتراجع قوة التيار الصقوري داخلها الذي كان يعبر ويدافع عنه، والقائم على التهديد باستخدام القوة العسكرية وتبني سياسة خارجية متشددة تجاه الشؤون الدولية، وفي مقدمتها الأزمة الإيرانية.
ولهذا يتوقع أن يساعد خروجه على إزالة الحاجز أمام عقد اجتماع بين الرئيسين الأمريكي والإيراني بتخفيف حملة "الضغوط القصوى" التي تمارسها إدارة "ترامب" ضد طهران في مسعى لجذب قادتها إلى طاولة المفاوضات.
بتخلص ترامب، خلال أول عامين له في البيت الأبيض، من المسؤولين الذين كان يُطلق عليهم "Adult In The Room"، وهم مستشار الأمن القومي السابق هربرت ريموند ماكماستر، ووزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون، ووزير الدفاع السابق جيمس ماتيس، ووزير الداخلية السابق وكبير موظفي البيت الأبيض السابق جون كيلي، الذين كانوا يمنعون الرئيس من اتخاذ قرارات تتعارض مع الأسس التقليدية للسياسة الخارجية الأمريكية، والزج بالولايات المتحدة في صراعات وأزمات خارجية وإقالة بولتون، يفقد الرئيس الأمريكي مسؤولا آخر من ذوي الخبرة في الشؤون الدولية، وثقلا مضادا لنهجه في التعامل مع خصوم واشنطن حول العالم.
الأمر الذي يشير إلى أن السياسة الخارجية للإدارة الأمريكية خلال الفترة المقبلة تتوافق مع رؤى وتوجهات ترامب، مع غياب المعارضة داخلها له.
خلاصة القول: قبل إقالة مستشار الأمن القومي جون بولتون كانت هناك وجهتا نظر داخل الإدارة الأمريكية تقدمان للرئيس دونالد ترامب، حول كيفية التعامل مع الأزمات والتحديات الدولية؛ كانت الأولى تركز على العمل الدبلوماسي والحوار، والأخرى على عسكرة السياسة الخارجية الأمريكية التي تلاشت مع خروجه.
وهو الأمر الذي يؤدي إلى تغييرات متوقعة في السياسة الخارجية الأمريكية في الفترة المقبلة، ويخلق فرصا جديدة أمام الدبلوماسية الأمريكية بشأن إيران وأفغانستان وكوريا الشمالية وفنزويلا، في الوقت الذي يسعى فيه الرئيس إلى تحقيق إنجاز خارجي يعزز من فرص فوزه بولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية المقرر لها في نوفمبر من العام المقبل.