عثمان الخشت: ”نعيش عصر فتنة عثمان ومعارك فقه الجنس والجسد”
كتب محمد عليطرح الدكتور محمد عثمان الخشت ، رئيس جامعة القاهرة، رؤية جديدة لتأسيس خطاب ديني قائم على مفاهيم جديدة ولغة جديدة ومفردات جديدة «إذا أردنا أن نقرع أبواب عصر ديني جديد».
وقال «الخشت» خلال كلمته في فعاليات اليوم الثاني لمؤتمر الأزهر العالمي لتجديد الخطاب الديني: «إن العقل الديني القديم تشكل في ظروف اجتماعية وسياسية واقتصادية ومعرفية طرحتها العصور القديمة، والأبنية العقلية القديمة تلاءم عصورها ولا تلائم عصرنا؛ فالزمان غير الزمان والمكان غير المكان، والناس غير الناس، والتحديات القديمة غير التحديات الجديدة».
أحب بيت أبي القديم لكنني لا أحب أن أعيش فيه
وأضاف: «أحب بيت أبي القديم لكنني لا أحب أن أعيش فيه، وأقدّر تراثنا القديم لكنني أحب أنا وغيري أن نصنع تراثاً جديداً نعيش فيه؛ فهم رجال ونحن رجال، وهم أصحاب عقول ونحن أصحاب عقول، إنني وغيري كثيرون لا نحب أن نكون في زمرة القائلين (بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا)».
وأردف: «إذا استعرضنا ما تم خلال الـ200 عام الماضية، سنجد من ناحية، أن كل علمائنا استعادوا كل المعارك القديمة، معارك زمن الفتنة الكبرى التي نشأت أيام عثمان بن عفان عليه السلام، ونحن لا نزال نعيش في زمن الفتنة وعصرها، عصر الصراع، والانشقاق، والتكفير، والتفجير، ومعارك الهوية، ومعارك فقه الحيض والجنس والجسد، ومعارك التمييز بين الجنسين، وفي المقابل نجد أنهم لم يدخلوا بعد المعارك الجديدة والمعاصرة، معارك التنمية، ومعارك إنتاج العلوم الطبيعية والرياضية والاجتماعية والإنسانية، ومعارك الفساد، ومعارك الحرية، ومعارك الفقر والجهل والأمية، ومعارك الدفاع عن الدولة الوطنية».
كل ما جاء في التاريخ بعد لحظة اكتمال الدين التي أعلنها القرآن جهد بشري قابل للمراجعة
وتابع: «كل ما جاء في التاريخ بعد لحظة اكتمال الدين التي أعلنها القرآن، جهد بشري قابل للمراجعة، وهو في بعض الأحيان اجتهاد علمي في معرفة الحقيقة، وفي أحيان أخرى آراء سياسية تلون النصوص بأغراضها المصلحية المنحازة، وفي كل الأحوال ليست هذه الآراء وحياً مقدساً، بل آراء بشرية قابلة للنقد العلمي».
وواصل: «حتى الآن نجد أننا، إما لدينا فريق يريد تقليد الماضي، والماضي المقصود به ماضي آبائنا، وإما لدينا فريق آخر يريد تقليد الغرب، فعلى سبيل المثال، عندما ألف الدكتور زكي نجيب محمود كتابه (شروق من الغرب)، كان يرى أن حدوث النهضة يقتضي أن نقوم بتقليد الغرب في كل شيء، ورد عليه الشيخ الغزالي عليه رحمة الله في كتاب آخر بعنوان (ظلام من الغرب)».
واستطرد: «المسألة أصبحت إما وإما، فأنا أرى أنه لا الشرق ولا الغرب طريق النهضة، لأن فكرة التقليد نفسها هي فكرة مرفوضة، فكل عصر له ظروفه، وله معادلته، وله خصائصه، فالقرآن الكريم عندما يتكلم (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ) لم يكن يقصد الأحداث، بل يقصد منطق التحول التاريخي».
العلوم الدينية التي نشأت حول النص الديني تجمدت وابتعدت عن مقاصده
واستكمل: «يوضح الواقع الحالي الذي نعيشه حتى الآن أن العلوم الدينية التي نشأت حول النص الديني تجمدت وابتعدت عن مقاصده، وتم تحويل النص الديني من نص ديناميكي يواكب الحياة المتجددة، إلى نص استاتيكي يواكب زمناً مضى وانتهى».
وأشار إلى أن «القرآن الكريم نص مرن يواجه العصر الحالي، ويواكب المتغيرات المعاصرة، وهو ما يتضح من خلال نزول القرآن على مدار 23 عاماً، ومع ذلك نجد الآن أن المفاهيم التي نشأت حول القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة تجمدت وتحولت إلى نص ثابت».
ولفت إلى أن «الإصلاحيين المعاصرين لم يقوموا بالعودة إلى الكتاب في نقائه الأول، بل عادوا إلى المنظومة التفسيرية التي أنتجتها ظروف سياسية واجتماعية واقتصادية لعصور غير عصورنا، واعتبروا أن كل الكتب القديمة هي كتب مقدسة، وهي تمثل المرجعية النهائية في فهم الدين، مع أنها في النهاية هي عمل بشري».